الخرطوم، السودان – في بصيص أمل طال انتظاره، أعلنت الشركة السودانية لتوزيع الكهرباء عن بشرى سارة طالما ترقبها سكان ولاية الخرطوم المنهكة، مؤكدة أن عودة التيار الكهربائي بشكل كامل ومستقر إلى جميع مناطق الولاية سيتم في غضون شهرين من الآن. يأتي هذا الإعلان كجرعة من التفاؤل في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، ويفتح آفاقاً جديدة أمام التعافي وعودة الحياة الطبيعية تدريجياً.
​فقد عانى سكان العاصمة السودانية لشهور طويلة من انقطاع شبه دائم للكهرباء، ما شلّ حركة الحياة اليومية وأثر بشكل بالغ على جميع القطاعات، من المنازل والمستشفيات إلى المصانع والشركات الصغيرة. كانت ساعات الظلام الطويلة، وارتفاع درجات الحرارة، وصعوبة الحصول على المياه بسبب توقف المضخات الكهربائية، جزءاً لا يتجزأ من المعاناة اليومية التي واجهها الملايين. لكن اليوم، يبدو أن نور الأمل بدأ يلوح في الأفق مع هذا الإعلان الجريء من قبل الجهات المسؤولة.
​خطة استراتيجية لإعادة الإعمار والتشغيل
​أوضح المهندس عبد الرحمن الطيب، المدير العام للشركة السودانية للكهرباء، في مؤتمر صحفي عُقد اليوم، أن هذا الإنجاز لم يكن ليتحقق لولا الجهود الجبارة والتنسيق المتواصل بين مختلف الجهات الفنية والهندسية، وبدعم لوجستي كبير. وأشار الطيب إلى أن خطة استعادة الشبكة الكهربائية في الخرطوم مرت بثلاث مراحل رئيسية:
​المرحلة الأولى: تقييم الأضرار وتأمين المواقع. تضمنت هذه المرحلة مسحًا شاملاً للمحطات الفرعية وخطوط النقل والتوزيع، التي تعرضت لأضرار بالغة نتيجة للصراع. وقد تطلبت هذه الخطوة فرق عمل متخصصة للوصول إلى المناطق المتضررة وتقييم حجم التلف بدقة، مع التركيز على تأمين سلامة الفرق الهندسية.
​المرحلة الثانية: صيانة وإصلاح البنية التحتية الأساسية. تركزت هذه المرحلة على إصلاح الأعطال الكبيرة في محطات التوليد الرئيسية ومحطات التحويل ذات الجهد العالي. وشملت أيضاً إصلاح خطوط النقل الرئيسية التي تغذي الأحياء والمناطق الصناعية. وقد تم استيراد قطع غيار ومعدات ضرورية، بالتعاون مع شركاء دوليين ومنظمات إنسانية، لتسريع وتيرة العمل.
​المرحلة الثالثة: إعادة توصيل وتوزيع التيار للأحياء السكنية. هذه هي المرحلة النهائية التي يتم العمل عليها حالياً، وتتضمن إصلاح الشبكات الفرعية ذات الجهد المنخفض والمتوسط، وإعادة توصيل التيار للأحياء السكنية والمنشآت الحيوية تدريجياً. وقد أشار المهندس الطيب إلى أن بعض المناطق قد عادت إليها الكهرباء بالفعل بشكل جزئي، وأن العمل يسير بوتيرة متسارعة لاستكمال التغطية الشاملة.
​تحديات ضخمة وجهود بطولية
​لم يكن الطريق مفروشاً بالورود أمام فرق العمل، فقد واجهوا تحديات جمة، بدءاً من الأوضاع الأمنية غير المستقرة التي عرقلت وصول المهندسين والفنيين إلى بعض المناطق، وصولاً إلى نقص المواد والمعدات الفنية اللازمة. كما أن حجم الدمار الذي لحق بالبنية التحتية كان هائلاً، مما استدعى جهوداً مضنية وعملاً متواصلاً على مدار الساعة.
​في هذا الصدد، أشاد المهندس الطيب بالدور البطولي للمهندسين والفنيين والعاملين في قطاع الكهرباء، الذين خاطروا بحياتهم وعملوا في ظروف غاية في الصعوبة لإعادة النور إلى الخرطوم. وأكد أن "هؤلاء الأبطال هم الجنود المجهولون الذين يقفون وراء هذا الإنجاز، وإصرارهم على العمل رغم كل التحديات هو ما جعل هذه البشرى ممكنة".
​آثار إيجابية على كافة المستويات
​من المتوقع أن يكون لعودة الكهرباء الكاملة إلى ولاية الخرطوم آثار إيجابية كبيرة على جميع مستويات الحياة:
​تحسين الظروف المعيشية: ستخفف عودة الكهرباء من المعاناة اليومية للمواطنين، وتمكنهم من استخدام الأجهزة المنزلية، وتوفر الإضاءة اللازمة، وتسهل الوصول إلى المياه الصالية للشرب بفضل عمل المضخات.
​دعم القطاع الصحي: ستتمكن المستشفيات والمراكز الصحية من العمل بكامل طاقتها، وستتحسن خدمة العناية بالمرضى، وستتوفر إمكانية تشغيل الأجهزة الطبية الحيوية التي تعتمد على الكهرباء.
​انتعاش اقتصادي: ستعود المصانع والورش والشركات الصغيرة إلى العمل، مما سيسهم في خلق فرص عمل، وتحريك عجلة الاقتصاد، وتوفير السلع والخدمات الأساسية للسكان.
​تعزيز الأمن والاستقرار: يساهم توفر الإضاءة في تقليل الجريمة وتحسين الأمن في الأحياء السكنية، كما أن استقرار الخدمات يعزز من الشعور بالسكينة والأمان لدى المواطنين.
​دعم التعليم: ستتمكن المدارس والجامعات من استئناف نشاطها بشكل أفضل، وسيتمكن الطلاب من الدراسة في ظروف مناسبة، مما يصب في مصلحة الأجيال القادمة.
​دعوة للمواطنين للصبر والتعاون
​في ختام المؤتمر الصحفي، دعا المهندس الطيب المواطنين إلى التحلي بالصبر والتعاون خلال الفترة القادمة، مؤكداً أن عملية إعادة التشغيل الكامل قد تشهد بعض التحديات أو الانقطاعات المؤقتة التي قد تكون ضرورية لإتمام عمليات الصيانة النهائية. كما حثّ على الترشيد في استهلاك الكهرباء عند عودتها، والمحافظة على الشبكة من أي عبث، للمساهمة في استدامة هذا الإنجاز.
​تترقب ولاية الخرطوم بفارغ الصبر الأيام القادمة، حيث يأمل الجميع أن تكون عودة الكهرباء هي الشرارة الأولى لعودة الحياة إلى طبيعتها، وبداية فصل جديد من التعافي والبناء في السودان. هذا الإعلان يعكس إرادة صلبة في تجاوز الأزمات، ويؤكد أن الشعب السوداني قادر على الصمود والمضي قدماً نحو مستقبل أفضل، رغم كل التحديات.